الرئيسية / أخبار حزم / “مجلة كل العرب” تنشر: ” الأحواز: نقمة الاستعمار من نعمة الموقع” بقلم د. عبّاس الكعبي

“مجلة كل العرب” تنشر: ” الأحواز: نقمة الاستعمار من نعمة الموقع” بقلم د. عبّاس الكعبي

المصدر: مجلة كل العرب

ظَلَمَ بعض الباحثين والكتاب مادّة النفط حين حمّلوه المسئوليّة الكاملة عن ضياع دولة الأحواز العربيّة نظراً لأولى اكتشافاته فيها مطلع القرن العشرين، فلا النفط وحده أدّى إلى احتلالها ولا الغاز فقط تسبّب بفقدانها، بل استراتيجية موقعها ومواقف حكّامها يشكلان السببين الرئيسين لإسقاط المركزالقانوني لدولتها التي كانت أقوى دول المنطقة قبل وبعد الحرب العالميّة الأولى، مستقرّة فياقتصادها ومركزيّة إدارتها ومتمتعة بالسيادتين الداخليّة والخارجيّة.

ويمكن الجزم بأنّ شركات الهند الشرقيّة الاستعماريّة الغربية المتنافسة على احتكار تجارة التوابل والقطن والشاي والأفيون وممرّاتها الاستراتيجيّة والحيويّة قد شكلت نواة استهداف القوّة العربيّة فيالخليج العربي الذي كان خاضعاً لسلطان العرب وأساطيلهم بالكامل، وذلك قبل تواجد الأسبان والبرتغاليين والهولنديين والانجليز والفرنسيين.

والمعروف أنّ الحقبة الزمنيّة التي تعود إلى نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشرميلادي، قد شهدت نشاطاً محموماً وصراعاً شرساً وصداماً دموياً، سواء فيما بين القوى الاستعمارية تارة، أو فيما بينها وبين عرب الخليج تارة أخرى، وغالباً ما اعتمدت شركات الهندالشرقية على التحالف مع الأجانب لمحاربة العرب بُغية السيطرة على موانئهم الحيّوية الموزّعة على ضفاف الخليج وجزره.

وغالباً ما يقع العديد من المؤرخين العرب في نفس الأخطاء خلال حديثهم عن تحالفات شركات الهندالشرقيّة الاستعماريّة مع غير العرب وذكرهم للفُرس عند الإشارة إلى التحالفات مع الدولة الصفويّة والأفشارية والقاجاريّة التي حكمت في أجزاء من ما تسمّى بجغرافية إيران الحالية، في حين أنّهذه الأسر ليست فارسيّة بل تنحدر من أصول تركيّة، وعليه فلا يجوز إلصاقها بالفُرس دون التمعّن في الحقائق.

أمّا الفرس الزرادشتيين أو المجوس، فهُم هنود بالأساس وكان أغنيائهم قد عرضوا علىناصرالدينشاه القاجاريالتركماني شراء أراضي شاسعة من الأحواز وعلى وجه الخصوص على ضفاف نهركارونوهو الممرّ التجاري الحيوي، بُغية توطين الزرادشتيين فيها وإنشاء مملكة لهم علىالأراضي الأحوازية، إذاً لو كان هؤلاء المجوس يتمتعون بمملكة أو دولة أو كياناً خاصاً بهم ويقامعلى اِقليماً ثابتاً محدّداً، فما الحاجة إذاً بأن يقدّموا مثل هذا العرض علىناصر الدين شاه القاجاريليساعدهم على إقامة مملكة لهم على أراضي تبعد عنهم آلاف الكيلومترات ولا تمت بأية صلة لغير العرب؟

ولم يوافقناصر الدين الشاهعلى مثل هذا العرض لإدراكه بأنّ أرض الأحواز لم تكن مباحة ولامشاعة، بل أنها عبرة عن وطن مأهول بسكانه الأصليين الأحوازيين العرب وهُم أصحاب السيادة الفعلية على هذه الأرض ولهم دولتهم القويّة وكيانهم

احواز1.jpg

وبالرغم من تناول العديد من الذين كتبوا عن الأحواز والمحاولات الأولى للتواجد الأجنبي الفارسي فيها، إلّا أنه لم يربط أحد الكتاب بعرض الأغنياء الزرادشتيين الفرس المجوس علىناصر الدينالشاه القاجاريالتركماني وكذلك التواجد الإنكليزي في الهند منذ عام 1612 من خلالشركة الهند الشرقية الإنكليزيةالتي بدأت بإنشاء مشروعها التجاري في مدينةسوراتالساحليّة الهندية، وفي عام 1647 أصبح لديها 23 مركزاً تجارياً في السواحل الهندية.

وقُـبيْل تواجد الشركات الهنديّة الاستعماريّة الغربيّة في المشرق العربي الواقع على طريق الحرير،كانت طرق التجارة العالميّة تقع تحت سيطرة العرب ونفوذهم الممتد من بحر العرب ومروراً بالأحواز والعراق وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام والبحر الأحمر فمصر، ممّا يعني هيمنة العرب والمسلمينعلى طرق التجارة البريّة والبحريّة.

إلّا أنّ التواجد الغربي في الخليج العربي طيلة خمسة قرون، ابتداءً من عام 1507 حتى عام 1971،أي تاريخ الإنسحاب البريطاني من الجزر العربيّة الإماراتية الثلاث، أدّى إلى إضعاف العرب وشتّتكافة جهودهم نحو الوحدة واستهدف القوى العربيّة الإقليميّة التي تصدّت له بقوّة، بما في ذلك القوّة الأحوازيّة والبحرينيّة والعُـمانيّة والدولة القاسميّة وشبه الجزيرة العربيّة بشكل عام.

ومن وقائع التصدّي الأحوازية سنة 1766 نشير إلى حصار مدينة الفلاحيّة عاصمة الإمارة آنذاك والمعركة الشهيرة التي عُرفت بمعركةأبو طوقنسبةً إلى زعيم الجيش البريطاني الذي كان يضع قلادة ذهبيّة (طوق) في عنقه، وحين جَمَعَ حاكم الأحوازسلمان الكعبيجنده في قلعةكوت الطرشبالفلاحيّة التي كانت تأنّ تحت وطأة قصف المدفعية البريطانيّة، فدخلت عليهمعلياءبنتسلمانلشحذ همم الرجال فسُلّمت قيادة الجيش إلى أحد رجالالْصَلَيِّحْ”.

وهاجمت القوّات الأحوازيّة العدو وقاتلت قتال الأبطال دفاعاً عن الأرض والعرض فدحرته حتى البحرولاحقته حتى جاءت برأس القائد الإنكليزيأبو طوقفسلّمته إلى الشيخسلمان، ناهيك عن الغنائم التي جَنَتها من مدافع وعتاد وأموال.

وجَعْل مدينة المحمّرة الأحوازيّة ميناءً حرّاً سنة 1832 على يد حاكمها الشيخجابر ابن مرداو ابن علي ابن كاسب، لم يكُن كافياً بالنسبة لشركة الهند الشرقيّة البريطانيّة التي كانت تدفع باتجاهإنشاء شبكات معقدّة من الوكالات والمقيميّات ليصبح دورها سياسيّاً فراحت تتدخل في شئون حكّام المنطقة عبر وسائل الضغط والتهديد، وذلك بعد إنشائها الوكالات في موانئ الأحواز وهيأبوشهروجرونوالمحمّرة، إضافة إلى موانئ أخرى فيمسقطوالبحرينوالكويتوالشارقةوالبصرةوبغداد”.

واقتضاء مصالح شركات الهند الشرقية الاستعماريّة الغربيّة مع الأجانب والتحالف معهم للانقضاض على العرب، دفعت بهذه القوى الاستعماريّة إلى التفكير الجدّي بخلق كيان أجنبي يقام على أجزاء واسعة من الأراضي العربيّة ويناصب العرب العدوان والكراهية، ألا وهو الكيان الإيراني الذي يعدّ وليداً غير شرعياً ويزاحم أصحاب الأرض الشرعيين.

ومن ضمن الأمثلة على تحالف شركة الهند الشرقية البريطانية مع الأجانب ضد العرب يمكن الإشارة إلى الاطاحة بسلطنة هُرمُز العربيّة جنوب شرقيّ الأحواز سنة 1621 على يد الصفويين وبمساعدة البحريّة البريطانية والهولندية، وكذلك قيام الهولنديين بطردمير مهنّا ابن ناصرمنجزيرة خرج الأحوازيّة سنة 1766.

وقضاء الدولة القاجارية على حكم الشيخجبارة الدموخيالتابع لإمارةالمطاريشفي أبو شهرالأحوازيّة بمساعدة بريطانيا أيضاً، ومنع بريطانيا عمليات دعم الإمارات العربيّة الأحوازيّة علىالساحل الشرقي من قبل أشقائهم في الساحل الغربي للخليج العربي للتصدّي إلى زحف القاجاريين نحو سواحل الخليج بعد عبورهم سلسلة جبالزاجروسخلال الفترة الممتدة من سنة1850 حتى سنة 1925، تماماً مثلما منعت بريطانيا الحكومة العراقية في عهد الملكفيصل الأولمن مساندة الدولة الأحوازيّة عند الاحتلال سنة 1920.

احواز3.jpg

ولهذه الأسباب تمّ إنشاء الكيان الإيراني على يد القوى الاستعماريّة حين جاءت بالمدعورضاميرزاوالذي نُسب إليه فيما بعد لقببهلويكذباً كما لُقّب بالشاه، علماً أنهقوقازيوليسفارسي، إذ كان قائداً عسكرياً في لواء القوقاز في الدولة القاجارية المنحدرة من إحدى قبائلقزلباشالبدوية التركمانية، والتي قامت على أنقاضالزنديينبمدينةكرمانوالذي يقالبأنهم من أصول كرديّة.

إذاً لا القاجاريين الذين كانوا يحكمون بعض المناطق من هذه الجغرافية فُرساً، فهم تركمان، ولاالزنديين فُرساً هُم الآخرين بل أكراداً، أمّا الأفشاريين الذين كانوا يتخذون من مدينة مشهد عاصمةلهم، فينحدرون من التركمان، وكلّ هؤلاء لا صلة لهم بتاريخ الفرس الكاذب الذين يحاولون نسب هذه الدول أو الحكومات لتاريخهم الواهي.

ولا يخفى على أحد بأنّ الأحواز كانت الممرّ التجاري الأهم في المنطقة ويربط خطوط التجارة فيمابين شبه القارّة الهندية والعديد من الدول العربية وكذلك أفريقيا وحتى أوروبا، ممّا يعني أنّ إنكلترا ومعها حلفاؤها كانت تتطلع إلى السيطرة على الأحواز منذ عدّة قرون وذلك لتحقيق عدّة أهداف،منها تجارية واستثمارية واقتصادية، ومنها السعي لإضعاف الدول العربية، تماماً مثلما فعلتبفلسطين بسبّب تميّز موقعها الجيوستراتيجي عربياً وعالمياً.

أي أنّ هذه القوى المعادية للعرب آنذاك، قد بدأت باستهداف الوطن العربي من أقصى شرقه وهيالأحواز، إلى وسطه وجسره الرابط بين شرقه وغربه وبين القارتين الآسيوية والأفريقية وهي فلسطين،أمّا غرب هذا الوطن فقد تولتا فرنسا وإيطاليا مهمّة تمزيقه وتفتيته وإضعافه.

وبالرغم من إحباط مشروع توطين أغنياء الزرادشتيين المجوس في الأحواز آنذاك، إلّا أنّ القوى الاستعمارية لم تيأس من تنفيذ مخططها، حتى تمكنت من القيام بذلك عبر دعمها غير المحدود إلىرضا القوقازي، حيث مكّنته من احتلال الأحواز بتاريخ 20/04/1925، وبعد احتلال الأحوازبشهر واحد وتحديداً بتاريخ 25/05/1925 تمّ الإعلان عن مملكة المقبوررضا القوقازي”.

وهذا يبيّن مدى أهميّة وقوّة الدولة الأحوازية آنذاك، فبالرغم من أنّرضا القوقازيالذي لُقِّبَ فيمابعد بـالبهلويكان قد زحف نحو أقاليم أخرى غير الفارسية فاحتلها، إلّا أنه لم يعلن عن قيام مملكته إلّا بعد احتلال الدولة الأحوازيّة.

ونفس القوى الاستعمارية التي أنشأت هذا الكيان، كتبت له تاريخاً مزيّفاً وشيّدت له آثار مقتبسة ومستنسخة ومسروقة من البابليين والآشوريين والعيلاميين وحتى الإغريق، وروّجت لهذا الكيان على أنه كان قائماً منذ آلاف السنين.

وإلى جانب الموقع الاستراتيجي للأحواز وأهميّته، فكان حكّام الأحواز يبدون ميلاً واضحاً للتقارب والتحالف مع أشقائهم العرب، ولعلّ دعوة آخر هؤلاء الحكّام وهوالشيخ خزعل الكعبيإلى إنشاءتحالف عربي، كثيراً ما أثار استياء بريطانيا وحلفاءها، خاصّة أنها كانت تعمل جاهدة لتفتيتالعرب عوضاً عن وحدتهم.

احواز.jpg

وبعد الأحواز وفلسطين، كرّرت بريطانيا فعلتها تجاه الجزر العربية الإماراتية الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، حين انسحبت منها فأعطت الضوء الأخضر للكيان الإيراني الذي صنعته لكي يحتلها بتاريخ: 30/11/1971، وتحديداً قبل يومين فقط من استقلال دولة الإماراتالعربية التي كانت تخضع للاحتلال البريطاني.

وهنا نلاحظ أن أهمية الموقع الجغرافي والاستراتيجي لكلٌ من الأحواز وفلسطين والجزر العربية الإماراتية الثلاث، كان السبب الأهم وراء احتلالها من قبل كيانات مصطنعة لتصبح هذه الكيانات بمثابة القاعدة لحماية وتأمين مصالح الدول الاستعمارية.

والأحواز التي تعدّ المدخل الرئيس للوطن العربي من جهة الشرق، ويفترض أّلّا يستغنى عنها فيمعادلات الأمن القومي العربي، والتي نعتها المؤرخون بـالمَنْهَل العامر لكلّ مارّ، قد نالت أهميّتهامن نعمة موقعها قبل ثرواتها، أمّا وفرة النفط والغاز فيها، فقد زاد من أهميّتها وجعلها عُرضة للأطماع الأجنبيّة ممّا جلب ليها نقمة الاستعمار.

المصدر : مجلة كل العرب – أضغط على الرابط أدناه لقراءة المقال على موقع المجلة الإلكتروني:

الأحواز: نقمة الاستعمار من نعمة الموقع

 

عن اللجنة الاعلامية لمنظمة حزم

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*